Top Ad unit 728 × 90

آخرالدروس

دروس

نظريات النموّ الحضري والتحضّر


إنّ الدراسة النموّ الحضري والتحضّر في البلدان العربيّة وبقيّة أجزاء العالم، لم تعتمد على مجرّد وصف الظواهر المصاحبة لهما والناجمة عنهما. كما أنّ نموّ أعداد أحجام المدن، ليست في نظر الكثير من الباحثين المختصين مجرّد تغير وتبدل عشوائي، بل إن هذه التغيرات والتبدلات ترتبط حسب آرائهم بقواعد وقوانين و عوامل ومتغيرات تتحكم باتجاهات ومقادير هذه التبدلات في خصائص المدن والتجمعات الحضريّة. ولكي تغلف النظرة إلى المدينة بالغلاف العلمي، وحتى لا تبقى عمليّة تفحص ودراسة المدن واحجامها واعدادها مجرد دراسات وصفيّة قائمة على الملاحظة الساذجة، فقد طور عدد من الباحثين مجموعة نظريات ونماذج وقواعد لتفسير العوامل المؤثرة في مواقف المدن وفي أحجامها وأعدادها، وفي الكيفيّة التي تتوزع بها هذه المراكز الحضريّة في أقاليمها ودولها الخاصّة بها.

ونهدف من خلال محاولتنا، أن نصل إلى تحديد طبيعة عمليّة النموّ الحضري والتحضر في المجتمعات النامية.
Urban-growth-and-urbanization-theories

ومن أهم هذه النظريات والدراسات في النموّ الحضري والتحضّر هي:

1ــ نظرية المكان المركزي Central place Theory 

2ــ نظرية أقطاب النموّGrowth poles Theory 
3- إتجاه الايكولوجيا البشريّة Human Ecology Trend 
4ــ نظرية وسائل الإتصال Communication Theory 
5ــ قاعدتا جفرسون وزيف Jefferson and Zipf Bases 

1ــ نظرية المكان المركزي Central Place Theory

صيغت هذه النظريّة سنة 1933 على يد العالم الجغرافي الألماني(فالتر كريستالر Walter Christaller) بوصفها نظرية إستنتاجيّة عامّة، صمّمت أساساً لتحديد حجم المدن وعددها وتوزيعها، وقد تأثر كريستالر بمفاهيم نظريات المواقع التقليدية(1) .
والمكان المركزي وفق إطار هذه النظريّة يعنى به إبتداء المركز الحضري، وقد إهتمت هذه النظريّة أساساً بعمليّة إحصاء لهذه المراكز الحضريّة بحيث إذا نظرنا إلى فحوى هذه النظريّة، وجدناها مركبة في سلسلة من التوكيدات، والمفاهيم، والنتائج المنطقيّة لما يمكن أن نسميّه(بالترتيب التسلسلي لمراكز العمران)، وذلك وفقاً لوظائفها، فكانت هناك مثلاً: القريّة الصغيرةVillage Hamlet، والقريّة Village، والبلدةTown ، والمدينة City، وقد إرتبط هذا الترتيب أساساً بمناطق السوق، وشبكة المواصلات(2).

وفي ضوء هذه المفاهيم إستنتج(كريستالر) نظاماً تسلسلياً مترابطاً من الأماكن المركزيّة التي تتدرج في أعدادها، وأحجامها السكانيّة. ولقد فكر (كريستالر) في الشكل الذي يمكن للمنطقة التكميليّة أن تأخذه. وبما أنّه كان يبحث عن توزيع متساو ومتجانس، من خلال منهجه العلمي لقياسات مثل هذه المفاهيم. لكن على الرغم من ملاءمة الدائرة، إلا أنّها تبرز مشكلتين، فالمشكلة الأولى هي وجود فراغات ومناطق فجوات في حال تلامس الدوائر لمحيطاتها ، فهذا يعني أنّه تتكون مناطق ليست تابعة لأي مركز من المراكز،وتنجم المشكلة الثانية عن تقاطع الدوائر ، حيث تتداخل بعض المناطق مع أكثر من منطقة تكميليّة، وحتى يتخلص من هاتين المشكليتين فقد تبنى الشكل السداسي، ولهذا تعرف نظرية(كريستالر) أحياناً بإسم النظام السداسي (Hexagonal System) (3). 

2ــ نظرية أقطاب النموّ Growth Poles Theory.

يعد(فرانسوا بيروكس Fransoi Perroux ) أوّل من وضع دعائم هذه النظريّة في سنة 1955، ويتلخص جوهر هذه النظريّة في وجود منطقة أو أكثر من المناطق الدولة، تتمتع بميزات معينة، اقتصاديّة و اجتماعيّة، وجغرافيّة تجعلها محوراً للتنمية بالنّسبة للمناطق الأخرى، وتؤثر فيها بحيث تجعلها تتجه إليها دائماً.
ويذهب(فرانسوا بيروكس) إلى أن تنمية ذلك القطب تؤثر على تنمية المناطق التي تقع في نطاق نفوذه، ويمكن لهذا القطب أن يتسبّب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تحديد العلاقات بين الأنشطة الإقتصاديّة، والاجتماعيّة وفي طريقة تأديتها لوظائفها(4).

ويطلق(البرت هيرشمان Albrt Hirschman) على أقطاب النموّ تعبيراً مشابهاً إلى حد ما في المعنى، وهو (نقط النموّ Growing points) ويقصد بها تلك المناطق التي تظهر فيها قوى لها تأثير خاص في عمليّة التركيز المكاني للنموّ الاقتصادي في الدولة، ويصحب ظهور هذه( النقط) إنبثاق ظاهرة النموّ غير المتوازن سواء بين الدولة وغيرها من الدول، أو بين الإقليم وجيرانه، أو حتى بين بعض الجماعات داخل الإقليم الواحد(5).

ويميز (لويس دافين Louis Davin) بين نوعين من أقطاب النموّ هما(6):

أــ قطب النمو الفعال (النشط) Active pole.

ويعرف بأنّه يتكون من مجموعة من الوحدات الاقتصاديّة التي تمارس تأثيرتها في المناطق المجاورة، من خلال سلسلة ردود الفعل الناجمة عما أصاب المنطقة التي ظهر بها من تطور تكنلوجي.
ب-قطب النمو الكامن potential pole

ويمكن التعرف عليه بصفة خاصّة في المناطق التي إستحدث فيها التصنيع وأصبح هناك إمكانيّة، أو احتمال لظهور ذلك القطب وممارسة تأثيراته. وتبقى الخطوة الأساس لتمويل قطب النموّ من الطور الكامن إلى الطور النشط، محدّدة
البحث عن أولويات هذا القطب الكامن أو أفضلياته من حيث نوعيّة الصناعات اللازمة له.

ويمكن القول بأن كلّ توازن إقتصادي ديناميكي مرتبط بتوازن إجتماعي دينامكي أيضاً، فإن أي خلل أو إظطراب تراكمي يحدث في الأوّل، يرتد بالضرورة إلى الثاني، بمعنى أن التجديدات الفنيّة، والتطورات التكنولوجيّة التي تحدث في مجال الصناعة مثلاً، تنعكس بلا شك على العلاقات الاجتماعيّة القائمة، وتظهر تأثيرها في الأنساق والنظم الاجتماعيّة السائدة، وهذا ما حدث فعلاً في المجتمع العراقي بعد حرب الخليج الثانية.

3ــ اتجاه الإيكولوجيا البشريّة: Human Ecology Trend

المدنية ظاهرة حضاريّة واجتماعيّة، وتختلف عن الظواهر الطبيعيّة في كونها تحمل الإنسان وحضارته، وبذلك لايمكن النظر إلى المدينة على أنها فقط هيكل اقتصادي، أو أنها بناء فيزيقي، أو شكل معماري، أو وحدة إدارية، بل هي أي المدينة كلّ ذلك، وفوقه هي نظام اجتماعي.
ولقد لعبت التفسيرات السوسيولوجيّة دوراً هاماً في رسم إطار الاتجاه الإيكولوجي البشري المتصل بقضية النموّ الحضري. ولذا كان علم الاجتماع الحضري ذا صلة كبيرة بعلم الإيكولوجيا البشريّة وهو العلم الذي يدرس تاثر المجموعات البشريّة بالبيئة الطبيعيّة والاجتماعيّة التي ترتبط بها وكلمة ايكولوجيا من وضع العالم البايولوجي الألماني (ارنست هيكل Ernst Hikal ) عام 1869 وهي مكونة من مقطعين (اوكس Okios) ومعناه مكان و(لوجياLogos ) و معناه علم. 

وقد برز أقطاب دراسة الاتجاه الإيكولوجي البشري من بين زعماء مدرسة شيكاغو التقليدية،أو من بين المحدثين في هذا الاتجاه أمثال(دنكا Duncan وشنور ChnoreوجبزGibbsوما رتنMartin ومكنزي Mokonzi وهاولي ).

وقد خرج كلّ من (دنكان وشنور) بمفهوم جديد في هذا المجال أطلقا عليه (المركب الإيكولوجي) ويتشكل هذا المركب من أربعة مكونات ريئسة هي:
البيئة،والسكان،والتنظيم الاجتماعي،والمستوى التكنولوجي،ويمكن تصور هذه المكونات أو المتغيرات وهي في علاقات تبادليّة،بحيث يؤدي التغير في إحداها إلى التعديل في الاخريات. وتعد هذه المكونات إطاراً مقبولاً لتفسير ظاهرة النموّ الحضري من خلاله. من وجهة نظر الإيكولوجيا البشرية. 

ويحاول (موريس R.N.Morris) في كتابه علم الاجتماع الحضري، حصر عدد من العمليات الإيكولوجيّة التي تتمّ داخل لمدينة ويحدّدها في ثلاث عمليات هي(7) :

أ-التركيز وعدم التركيز:

وتظهر هذه العملية نتيجة للتفاوت في توزيع السكان على حيز الدولة.وهذا التفاوت ناجم عن عاملين أساسين هما:
-الاختلاف في معدلات الزيادة الطبيعية (مواليد،و وفيات) بين المناطق المختلفة.

-عدم الاتّساق في أحجام الهجرة و معدلاتها بين مناطق الوطن الواحد و أقاليمه.
ب- المركزية واللامركزية Centralization and Decentralization 

يشير هذان التعبيران إلى زيادة أو نقص سيطرة المدينة أو مكانها المركزي، على مجال إقليم المدينة الكبرى وبخاصة فيما يتعلق بالخدمات المتاحة اللإقليم.
والمراد بالمركزية تركز الوظائف حول نقط حيويّة داخل المدينة،وترتبط اللامركزية بمواقع الصناعة والتجارة وبالتحديد في المراحل التي تنمو فيها المدينة وتتّسع لتنتقل المصانع، والمتاجر، والهيئات الحكوميّة خارج مركز المدينة .

جـ - الغزو و الانسحاب Invasion and Retreat
وتحدث هاتان العمليتان عندما يكون هناك انفصال بين القاطنين في المركز الحضري، واماكن صناعتهم أو تجارتهم أو بين بعض القاطنين مع بعضهم.

ويشير (الغزو) كعملية ايكولوجية إلى وصول عدّة جماعات، ذات انتماءات طبقيّة متباينة إلى منطقة ما للمرّة الأولى بهدف العمل والربح، وذلك بافتراض توافر مصادر ثروة كافية في هذه المنطقة.

أمّا الانسحاب أو (التراجع) فنعني به الحركة التدريجيّة التي يترك بمقتضاها القاطنون أماكنهم لكي ينتقلوا خارج منطقة سكناهم، أو منطقة عملهم، أو الإثنتين معاً، سواء تم ذلك في الإقليم نفسه أم في خارجه، وليس من الضروري أن يعقب الغزو انسحاب في الوقت نفسه.

4- نظريّة وسائل الاتصال Communication Theory

يحلّل كثير من السوسيولوجيين، المدينة والظواهر المتّصلة بها في ضوء فكرة التفاعل البشري، والعلاقات بين الأفراد، فمثلاً نجد (ماير Meir) قد تصور المدينة من خلال هذا التفاعل، فالنقل والاتصالات في نظره ماهي إلاّ وسائل لإحداث ذلك التفاعل البشريّ(8).
إن السبب الرئيس لنموّ الحضري واتساعه يتمثل في سهولة الاتصالات الدائرة بين الأفراد، والانتقال من مكان إلى لآخر ولكن النموّ الحضري لم يحدث هكذا بشكل مطرد، بل إنّ اتجاهات التقدم الفني لوسائل الاتصال، وهيكل النقل وما ترتب على ذلك من احتقان في نظم المواصلات بالمدينة، كلّ ذلك أسهم في خلق وسائل اتصال أخرى بديلة تسهل التعامل الذي يتمّ بين الأفراد داخل المركز الحضري نفسه أو بينه وبين المراكز الحضرية الأخرى، الأمر الذي يمكن معه في النهاية القول بأنّ النموّ الحضري يفسّر ذاته في ضوء نسبة وسائل الاتصال المتاحة في المركز الحضري(9) .

وقد حاول بعض الباحثين التركيز على دور وسائل الاتصال الجمعي وتحديد وظيفتها في عمليّة النموّ الحضري، فهذه الوسائل قد أصبحت جزءاً مكملاً للحياة الحضريّة، وبغيرها لايمكن تصور النشاط الحضري وهو يقوم بوظائفه المحدّدة له، وينظر إليها معظم السوسيولوجيين بوصفها انعكاساً لمجموعة من الخصائص التي تبدو عليها تعقيدات الأقاليم الحضريّة.

إنّ كفاءة شبكة وسائل الاتصال بين المدن، والمراكز الحضريّة الأخرى لاتتوقف على النمط الفيزيقي فقط، بل ترجع أيضاً إلى مدى تقبل الأفراد والهيئات للمعلومات التي يتلقونها، أو بمعنى آخر يمكن القول بأن كفاءة هذه الشبكة تعتمد على مايمكن تسميته بنقاط التقاء وسائل الاتصال.

وقد ميز (ماكس فيبر Max Webber) بين مفهومين في هذا المجال هما(10) :

الاماكن الحضريّة ويقصرها على المناطق الحضريّة ذات التاثير العلمي المحدود، والعوالم الحضريّة غير محدودة المكان، ويقصد بها وجود مناطق ليس لها مجال تأثير محدود، بل يمكن أن تصل تأثيراتها إلى المستويات الإقليميّة، والعالميّة.

ويساعدنا هذا التمييز على تغذية الهيكل الأساس لنظرية وسائل الاتصال في مجال النموّ الحضري، إذ أن المدن التي تتّسم بدرجة عظمى من الاتصالات" بالعوالم الحضريّة" الأخرى، والتي تستحوذ على نسبة كبرى من الأنشطة المتصلة بوسائل الاتصال،تتجه إلى النموّ بنسبة أسرع من تلك المدن التي تمتلك وسائل الاتصال ذات التأثير المحدود الذي لايتجاوز مجال المدينة نفسها.

ومن خلال ذلك حاول (فيبر) أن يصنف المجتمعات الحضريّة إلى نمطين يتّسم أولهما بتفاعل محدود ناجم عن تأثير وسائل الاتصال داخل المدينة الكبرى فقط، ويمتد الثاني من خلال منظور أشمل ليضم كلّ مناطق الوطن بل ويتعداها إلى خارجها، وينتج ذلك عن التقدم في أنماط الاتصال، ووسائل المواصلات(11)

5- قاعدتا جفرسون وزيف Jeffersan and Zipf Bases 

لقد استخدم (مارك جفرسون Mark Jefferson) في عام 1939 مفهوم المدينة الأولى كظاهرة مميزة لأحجام المدن الرئيسة في البلدان النامية( 12)، ولكن ذلك لايعني عدم وجودها في الدّول المتقدّمة، وقد لاحظ (جفرسون) أنّ في كلّ دولة من دول العالم توجد مدينة أوليّة، هي أكبر مدينة في الدولة، وغالباً ما تكون العاصمة، وهي أكبر المدن حجماً، وأكثرها سكاناً وانشطة، وأهمها موقعاً، وأعظمها تأثيراً في حياة الدولة وسكانها، وتتصف هذه المدينة بأنها تلتهم معظم الاستثمار والإنفاق في الدولة، وتمتص معظم الأيدى العاملة والقوى المنتجة، كما أنها المسيطرة على الحياة الثقافيّة والاقتصاديّة، وهي لهذا تتميز بمعدل استهلاك عال بمقارنتها مع بقية المدن، وتترك تأثيرات ضارة على بقية حياة الدول الجديدة، ولكن ذلك لايعني أن هذه الظاهرة مقتصرة على هذه الدول، بل إنها موجودة في العراق حيث تمثل فيها بغداد مدينة أوليّة، وموجودة بمصر حيث تمثل القاهرة مدينة أوليّة وتعد عمان مدينة الاردن الأوليّة. ولاحظ أيضاً أن الفروق في أحجام المدينة الأولى و الثانية في الدول الناميّة أكبر منها في الدول المتقدمة، حيث أن المتوسط العام لسكان المدينة (30%) بالنسبة لسكان المدينة الأولى والمدينة الثالثة (20%)(13).وهذا يعكس الظاهرة الاستقطابيّة التي تميز نمو العواصم في الدول الناميّة فتوزيع المدن حسب دراسة (جفرسون) تتوزع في مدينة أوليّة إلى مدن متوسطة، فإلى مدن صغيرة وتستمر في التدرج إلى مركز استقراريّة أصغر فأصغر.
ومن القواعد الأخرى التى برزت لتوضيح العلاقات بين أعداد المدن وأحجامها قاعدة المرتبة –الحجم Rank-Size (Ruleمن قبل (جورج زيف George Zipf)( 14)، وتقوم الفرضيّة الرئيسة في قاعدة (زيف) على أنه يوجد في كلّ دولة وفي كلّ إقليم مدينة كبيرة (مدينة أوليّة)تاتي بالمرتبة الأولى. من حيث حجمها السكاني. والمدينة التي تأتي بالمرتبة الثانيّة من حيث الحجم تساوي نصف حجم المدينة الأولى. ويساوي حجم المدينة الثالثة ثلث حجم الأولى والرابعة ربع حجم الأولى وهكذا تستمر العلاقة بين أحجام المدن ومرتباتها. والدّول التي تنطبق عليها هذه القاعدة هي الدول المتقدّمة التي تكون قد حققت توازناً معقولاً بين مدنها ومراكزها الحضريّة، فالمدينة الأولى في هذه المناطق لاتحتكر ثروات الدولة وحياتها كما في حال المدينة الأولى عند (جفرسون)، وقد وجد ايضاً أنّ الدّول العريقة بالتحضّر كالعراق ومصر والهند والصين هي من الدول الذي تقترب من هذه القاعدة، لكن الغالب على مدن البلدان العربيّة أنها تبتعد كثيراً عند حال التوازن الحضري التي تمثلها العلاقات الواردة في هذه القاعدة.

زيادة على هذه النظريات والقواعد، فقد ظهرت نماذج مختلفة لدراسة عمليّة النموّ الحضري والتحضّر ويمكن تصنيف هذه النماذج في المجموعات الآتية:

أ- مجموعة النماذج الديموغرافيّة التي تركز على أثر التزايد السكاني والتغيرات الديموغرافيّة على حركة السكان وانتقالها من المناطق الريفيّة إلى المناطق الحضريّة. 

ب- مجموعة النماذج الاقتصادية التي ارتبطت بنظريات الموقع التقليديّة كنموذج (فون ثونن Von Thunen ) في دراسة مواقع المدن في المناطق الزراعيّة ونموذج (فيبر Webber )في دراسة مواقع المدن في المناطق الصناعيّة.

جـ- مجموعة نماذج التغير الاجتماعي التي تنظر إلى المدن كمراكز لتوليد وإحداث عمليات التحول الاجتماعي عن طريق خلق مفاهيم اجتماعيّة جديدة تتصارع مع المفاهيم التقليديّة. 

د- مجموعة نماذج الأنظمة التي تؤكد أن الدراسة ظاهرة النموّ الحضري والتحضّر ترتبط بشبكة معقدة من العلاقات التي تشكل وحدة النظام الحضري، ولهذا تدرس الظاهرة كوحدة مترابطة بعضها مع بعض من ناحية ومع العوامل والمتغيرات التي تؤثر وتتأثر بها من ناحية أخرى .

هـ- مجموعة نماذج تركيب المدينة التي تنظر إلى المدينة كمجموعات متبانية من استخدامات الأرض التي تشكل الانماط المميزة لها، وتعد نماذج (بيرجسBurges وهومرهويتHowme Hoyt وهاريسHarris واولمان Ullman)اكثرها شهرة رغم التقليديّة التي ميزت المفاهيم الرئيسة المتعلّقة بها.

وفي ضوء ماسبق، يلاحظ أنّ نظريّة المكان المركزي أبرزت عدّة عوامل يمكن أن تسهم في عمليّة النموّ الحضري والتحضّر لعلّ اهمها: وجود السلع المركزية داخل نطاق هذا المكان، ونشاط سكانه، وتوافر طرق المواصلات ووسائل النقل. وكذلك اهتمت هذه النظريّة بتحليل المشكلات الناجمة عن النموّالحضري مثل ظاهرة انحراف الأحداث، وزيادة نسبة الجرائم ووضوح التمييز الطبقي،وازمة الإسكان،وازمة النقل والمواصلات.

أمّا نظريّة اقطاب النموّ فيعتمد النموّ الحضري في ضوئها على عوامل مثل : وجود ميزة نسبيّة في المكان سواء أكانت ميزة جغرافيّة، أم اجتماعيّة، أم اتقصاديّة، أم كلّ ذلك مجتمعاً، ثمّ استغلال هذه الميزة، وكذلك قيام علاقات تبادليّة بين منطقة القطب، والجزء محيط بها، أما من حيث مشكلات النموّ الحضري في هذه النظريّة، فقد ارتبطت بالنموّ الحضري غير المتوازن القائم بين أجزاء الدولة ككلّ، وكذلك بالظواهر الناجمة عن وجود صناعات رائدة.

وفي اتجاه الإيكولوجيا البشريّة تبلورت عوامل النموّ الحضري في المركب الإيكولوجي بعناصره الأربعة وهي (البيئة، والسكان، والتنظيم الاجتماعي،والمستوى التكنولوجي) وفي ظل هذه المكونات الأربعة تظهر مجموعة من المشكلات التي تتصل بالنموّ الحضري ومن أهمها: ظهور مناطق متخلفة في أجزاء من النمط الحضري، فضلاً عن معيشة الأفراد والنازحين من المناطق الريفيّة إلى مواقع بالنمط الحضري.

وفيما يتعلّق بنظريّة وسائل الاتصال كانت عوامل النموّ الحضري التي أشارت إليها محدّدة في التقدم الفني الذي لاحق وسائل الاتصال، وهيكل النقل وتكلفته، ووسائل الاتصال البديلة، بينما كانت المشكلات تتصل بمجال تغطية وسائل الاتصال لأجزاء النمط الحضري، وبتنوعها، وبدرجة سرعتها، وبانتظامها، وبدرجة تأثيرها ومجالها.

في حين أن قاعدتي (جفرسون وزيف) أبرزت، أنّ المدن لا تزداد نتيجة معدلات النموّ الطبيعي للسكان فقط وإنمّا تتوسع أحجامها بفعل الذين يطرقون أبوابها كلّ صباح، باحثين عن حياة جديدة وفرص عمل أفضل، أولئك هم المهاجرون الذين يفدون إلى المدن من الأرياف المحيطة بها. فالهجرة المتدفقة من الأرياف أثرت في احجام المدن العراقيّة والعربيّة أكثر مما أثرت الزيادة الطبيعيّة للسكان.



المصادر:
(1)
Brian Berryj, Cities as systems with in system of Cities, in Leahy W ., Mckee D. and Dean R., (ed), urban Economics: Theory development and planning, the free press, New York, 1970,pp. 162-163.
(2) د. محمود الكردي، النمو الحضري: دراسة لظاهرة الإستقطاب الحضري في مصر، رسالة دكتوراه منشورة، مطبعة دارالمعارف، مصر 1980، ص26.
(3) د. عبدالاله أبو عياش، و د. إسحاق يعقوب القطب الإتجاهات المعاصرة في دراسات الحضرية،وكالة المطبوعات الكويت،1979، 56ــ 57.
(4) المصدر نفسه، ص34.
(5)
Albert Hirschman , Inter Regional and international transmission of Economic Growth, in Friedman J., and Alonso W., Regionl devlopment and planning , The M.I.T . press, U. S . 1964,pp.623-624.
(6) د. محمود الكردي، النمو الحضري: دراسة لظاهرة الاستقطاب الحضري في مصر، مصدر سبق ذكره، ص32.
(7)
R.N.Morris,Urban Sociology,Frederick A.praeger publishers,New York,1968,pp.101-102.
(8)
Harry Richardson,Regional Economics:Location Theory,Urban Structure and Regional change,weidenfeld and Nocolson,London,1969,P.170.
(9) د. محمود الكردي، النمو الحضري: دراسة لظاهرة الإستقطاب الحضري في مصر، مصدر سبق ذكره، ص39.
(10) د. محمود الكردي، النمو الحضري: دراسة لظاهرة الإستقطاب الحضري في مصر، مصدر سبق ذكره،ص41.
(11)
H.Richardson,op.cit,p.314.
(12) د.عبدالإله أبو عياش، أزمة المدينة العربية،وكالة المطبوعات الكويت،1985 ،ص137.
(13)د.أحمد علي اسماعيل، دراسات في جغرافية المدن،مكتبة سعيد رأفت،جامعة عين شمس،ص176.
(14)
Goerge Zipf,Human Behavior and principale of least effort:reading,Mass,Addison- Wesley,194.P.141

نظريات النموّ الحضري والتحضّر Reviewed by Unknown on 10:53 ص Rating: 5

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.