Top Ad unit 728 × 90

آخرالدروس

دروس

ظاهرة النموّ الحضري (نظرة ابن خلدون)


يعد المفكر العربي ابن خلدون (1332-1406م) من أوائل المفكرين الذين اهتموا بدراسة ظاهرة النموّ الحضري، فاهتمّ في مقدمته المشهورة بمعالم نشاة المدن والظواهر المرتبطة بها، وكتب في هذا الموضوع بشيء من التفصيل في الباب الرابع الذي كان عنوانه (في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق).
Urban-growth-phenomenon

ويشير علماء الاجتماع إلى أنّ ظاهرة النموّ الحضري يرتبط بها كثير من الظواهر والمشكلات، لعل من أهمها سيادة العلاقات الاجتماعيّة الثانويّة التي تتصف بالسطحيّة والعموميّة والنفعيّة، وانتشار الضبط الرسمي، وكثرة الحراك الجغرافي والمهني والطبقي، وزيادة معدل الفردية، وطغيان القيم الفردية على القيم الجمعيّة، وضعف الاتجاهات والقيم الدينيّة في نفوس الأفراد والجماعات.



كما أنّ المدينة تعد مركز جذب لمختلف الشرائح الاجتماعيّة التي تغزوها، بحثاً عن فرص العمل والحصول على الخدمات المتوافرة فيها، فضلاً عن أنّ المدينة هي المكان الخصب لتطوير ونموّ النواحي المعنويّة والماديّة للإنسان.



إنّ هذه المغريات بلاشكّ، تدفع الناس صوب المدن، وتزداد لذلك الحاجة الماسة للمساحات المخصصة لسكنى هؤلاءالنازحين من الأرياف أو المناطق القريبة منها، إلاّ أنه من ملاحظ، ومن خلال استقرار التجارب التخطيطيّة أنّ لكلّ مدينة حضريّة حداً معقولاً ومجالاً محدوداً في استيعاب السكان والنشاط الاقتصاديّة مع محدوديّة الخدمات أيضاً ومتى ازداد هذا النشاط بازدياد حجم السكان والخدمات فيها، أصبحت الظاهرة حالة غير سليمة في بنية المدينة وهيكلها وفق المنظور التخطيطي المعاصر. فالنموّ الحضري وفقاً لذلك، يعد احد ابرز ظواهر العلل الحضريّة. ذلك أنّ ازدياد حجم السكان عن حدّه الطبيعي، وعدم كفاءة توزيع النشاط الاقتصادي بكفاءة وبموازنة دقيقة، مع التوزيع العشوائي للخدمات وندرتها، يؤدي إلى بروز هذه الظاهرة التي تخلق وراءها مشكلات اقتصاديّة واجتماعيّة وعمرانيّة وبيئيّة.



وانطلاقاً من ذلك فان رؤية (ابن خلدون) لهذه الظاهرة بلغ شاناً بعيداً، عندما استخدم مفهوم (العمران المفرط) بقوله "إن الحمامات بلغ عددها في بغداد في عهد المامون (65 الف) حمام وكانت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تجاوز الأربعين ولم تكن مدينة وحدها يجمعها سور واحد لإفراط العمران، أي التضخم الحضري والعمراني وكذا حال القيران وقرطبة والمهدية في الملة الإسلامية وحال مصر والقاهرة بعدها".



أمّا العلاقة الهجرة الريفيّة(Rural Mirgration ) بظاهرة النموّ الحضري فمن المعروف أنّ الفرد الريفي حين يلج المدينة يكاد يعيش بصعوبة بالغة، وذلك لأن الحياة الريفيّة تختلف جملة وتفصيلاً عن الحياة الحضريّة، وأن الهجرة تخلق مشكلة الازدحام السكاني الذي يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على الوحدات السكنيّة والمزاحمة على الخدمات العامة، مما يزيد من نفقاته على السكن وتلبية الخدمات بشكل عام، لذا يشير (ابن خلدون) إلى قصور أهل البادية عن سكنى الحضر الكثير العمران والسبب في ذلك ان الحضر الكثير العمران بكثير ترفه وتكثر حاجات ساكنيه من أجل الترف، وتصير الأعمال كلها مع ذلك عزيزة والمرافق غالية بازدحام الأغراض عليها، ويعظم الغلاء في المرافق والأوقات والأعمال فتكثر لذلك نفقات ساكنيه كثرة بالغة على نسبة عمرانه، فيحتاج حينئذ إلى المال الكثير للنفقة على نفسه وأسرته في ضرورات عيشهم وسائر مؤنهم، والبدوي لم يكن دخله كثيراً ساكناً بمكان كاسد الأسواق في الأعمال التي هي سبب الكسب فلم يتأثل كسباً ولا مالاً فيتعذر عليه من أجل ذلك سكنى الحضر الكبير لغلاء مرافقه وعزة حاجاته، وكل من يتشوق إلى الحضر وسكناه من البادية فسريعاً ما يظهر عجزه ويفتضح استيطانه. أي أن الفرد الريفي لايستطيع التكيف سواء اقتصادياً أو اجتماعياً مع البيئة الحضريّة للعوامل المذكورة في أعلاه.



ولتدعيم راي (ابن خلدون) عن المشكلات الناجمة عن ظاهرة النموّ الحضري بسبب الهجرة الريفية التي تخلق الازدحام السكاني، والتزاحم أو التنافس على الخدمات العامة، والتجاوزات القانونية على الأراضي الحضرية يستشهد براعة على ذلك بقوله" ان الناس في المدن لكثرة الازدحام والعمران يتحاشون حتى في الفضاء (Space) والهواء للأعلى والأسفل ومن الانتفاع بظاهر البناء مما يتوقع معه حصول الضرر في الحيطان، فيمنع جاره من ذلك إلاما كان له فيه حق، ويختلفون أيضاً في استحقاق الطرق والمنافذ والمياه الجارية والفضلات المسربة في القنوات وربما يدعي بعضهم حقّ بعض في حائطه أو علوه أوقناته لتضايق الجدار أو يدعي بعضهم على جاره اختلال حائطه خشية سقوطه ويحتاج إلى الحكم عليه بهدمه ورفع ضرره عن جاره عند من يراه، أو يحتاج إلى قسمة دار أو عرصة بين شريكين، بحيث لايقع معها فساد في الدار ولا إهمال لمنفعاتها وأمثال ذلك".



وأشار ايضاً برؤية تخطيطية معاصرة إلى ظاهرة التلوث الناتج عن النموّ الحضري، حيث أوضح إلى أنه فساد الأهوية بسبب ازدحام المدينة بالبيوت والسكان وما ينشأ من هذا الإزدحام من الابخرة والفضلات،التي تسبب تدهوراً في البيئة الحضرية في جانبها الطبيعي والجمالي، أو جانبها الصحي الذي يؤثر في سكان المدن.



أما العلاقة بين ظاهرة النموّ الحضري والعجز والخراب الذي يصيب المدينة جراء تراجع العمران فيها، فقد ربطه (ابن خلدون) ببراعة فائقة، عندما أشار إلى أنّ المدن تصاب بالخراب والعجز إذا لم تكن لها رعاية من كافة السكان فإنّها سرعان ماتهجر وتخرب وتعد عن القومة لقاء فائدتهم ومعاشهم منها.






ظاهرة النموّ الحضري (نظرة ابن خلدون) Reviewed by Unknown on 6:41 ص Rating: 5

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.